نرحب بالكتاب الراغبين في الانضمام إلى مطر

طبقات

سمعت طرقا خفيفا على الباب كان ذلك لحظة شروق الشمس بقليل، أعرف ذلك من خلال أشعتها المرتسمة على جدار غرفتي الصغيرة؛ ذلك الجدار السميك والمبني بالحجر والتراب والجير، لا زال يقاوم من عهد المولى إسماعيل الذي حكم المغرب بيد من حديد؛ وهو ما تؤكده المعالم التاريخية. المنزل الكبير والفسيح حيث توجد غرفتي، بني على الطراز المغربي الأصيل حيث نافورة الماء في وسط الباحة تحيط بها غرف كثيرة وفي الجانب الأيسر سقاية كانت تفيض ماء قادما من وادي بوفكران. بقيت السقاية أو بعض أجزائها، وغاب عنها الماء..*
أقامت في هذا المنزل الفخم شخصيات مرموقة قبل أن يجزأ في وقتي الحاضر وتسكن فيه أسر كثيرة وعزاب، وأنا واحد منهم.
لاحظت في الجدار شقا قمت بتوسيعه، فظهر لي شيء مستدير، زدت في التوسعة، فزاد طرق الباب، هذه المرة، بقوة.
بدت لي جرة، أخرجتها بشق الأنفس، ولما فتحتها تلألأت عيناي، حتى لتكادان تفقدان بريقهما..
سمعت الباب يفتح بعنف، وإذا برجلين يحيطان بي، وأمام دهشتي، انتزعا مني الجرة، وخرجا مسرعين، وواحد يقول لي:
حرصا منا على سلامتك النفسية، سنأخذ الجرة بعيدا، فعد إلى فراشك وأكمل نومك الهادئ، فنحن في خدمتك.
ذابا، ولم يعودا، وعاد إليّ نومي لا حلمي.
*
خارج السرد/داخله:
تلك النافورة كما السقاية وأرضية المنزل مازالت تحافظ على زليجها بالرغم من أن بعضه بهت، فيما اقتلع بعضه الآخر وعوض بالإسمنت ليمنح العين منظرا قبيحا للغاية. أكاد أشم رائحة الشاي المنعنع وهو يصب في كؤوس من بلار، يوزع على الضيوف المميزين، وهم يناقشون شون البلاد والعباد.. أسمع أصواتهم مرة ترتفع ومرة تنخفض.. كما أسمع خرير ماء السقاية ينزل من الحنفية إلى الحوض المستطيل حيث يتجمع لتسهيل الوضوء. الباحة مفتوحة على السماء لمناجاة الرب، والنوافذ مفتوحة على الداخل كنوع من الحشمة والابتعاد عن مراقبة الآخرين.
أتخيل صاحب الدار بعد انصراف ضيوفه يجالس محظياته يستمتع بطربهن وغنائهن الشجي، وبرقصهن البارع.. يخطف من هذه قبلة على الخد، ومن تلك على الشفتين، ويقرص الصدور كلما تثنت إحداهن لتنال منه الحظوة، وكن يتنافسن على ذلك بإبداع حركات جسدية فاتنة تسيل الرغبات..
ضمر ذلك الزمان وغابت تلك المشاهد لتنبت مشاهد صراع بين جيران هذا المنزل المقاوم.
 

لوحة مختارة

 لوحة مقترحة
أعلى