نرحب بالكتاب الراغبين في الانضمام إلى مطر

ريش النعام

تنبه بعد غفوة إلى أن صديقه غائب، أصيب بذعر شديد، فهو ملاكه الحارس، كيف سمح لنفسه أن يغادر دون أن يخبره؟! صار العالم في عينيه مظلما، صار كائنا مرعبا يهدد حياته. نهض بسرعة يبحث عنه، فمنذ كان صغيرا وهو يصرخ ولا من مجيب لتوسلاته، ولا أحد تنبه لما تحمله آناته الضاجة من رعب، ولا أحد تنبه لما تحمله من رسالة، ونما خائفا حتى من ظله، كل أشياء العالم تشكل له تهديدا، أي حركة أو نأمة يشعر بها موجهة ضده، فيسارع إلى الاختباء. قلبه يخفق بشدة، وملاكه الحارس، لا أثر له. هو الوحيد الذي فك شيفرة خوفه، فبسط عليه سلطانه، ورضي بأن يكون له تابعا، تنازل له عن كل شيء، يفعل به ما يشاء، مقابل أن يشعره بالأمان. هل تخلى عنه بعد أن قضى منه وطرا؟ هل مل منه وذهب ليبحث عن آخر يطلب مثله الأمان؟ كيف سيعيش من دونه في هذا العالم الوحش وهو القزم الذي ما نمت له لا أظافر ليدافع بها عن نفسه، ولا جناحان ليحلق بهما بعيدا عن مصادر الخوف..
ذهبت إلى مطبخي وأعددت فنجان قهوة أستمتع بدفئها، ثم عدت إلى نافذتي..
كان ما يزال يبحث وبكل إصرار، يلتفت يمنة ويسرة ولا وجود للصديق، كيف يكون صديقا والصداقة لا تكون إلا في المواقف الصعبة. ها هو يتركه يواجه العالم من دون أسلحة، عاريا إلا من خوفه. تكاد الدموع تطفر من عينيه وقلبه لا يتوقف عن الخفقان الشديد حتى لتكاد الدماء منه تنفجر.
مرعوبا من صغره، وكأن الرعب خبزه اليومي، وعليه أن يتحمل مصيره الخائب بكل جلد، وأنى له بالجلد؟ من أين يأتي به؟ كله كتل خوف متراكبة على بعضها البعض في بنيان هش ينهد لأقل نسمة أو صيحة قد تأتي حتى من داخله هو الذي يرى العالم بعيني الضعف، فيراه عملاقا ويرى نفسه ذرة خفيفة في ميزان الصراع، ثم إنه لم يتعلم كيف يواجه المخاطر بل كيف يواجه خوفه ويصرعه، ضخم العالم حتى لم يعد يرى نفسه تماما.
قريبا سيحل الليل بردائه الاسود الفاحم، وستخرج الغيلان من غيرانها لتنزل به الأذى، أو ستزق جسده الهزيل بسبب سوء التغذية وكثرة التفكير. أحدس أنه يتساءل: أين المفر؟ أين سأبيت الليلة؟ وأين الصدر الحنون الذي سيحتويني، لأنعم بأحلام لذيذة كما كنت أنعم بها صحبة حارسي الأمين؟
أرتشف قهوتي فيسري دفئها في جسدي، وأتابع المشاهدة والكتابة.
أراه يعدو في كل الاتجاهات، ولا منفذ ضوء يأتيه بالفرج، أشعر بالضيق، ولأتخلص منه، أرسم له طريقا ليسلكه، لكنه من دون حدس، لا يمتلك الحاسة السادسة، يضيعه كما ضيع حياته، وهل هذه حياة ليفخر بها؟
أقفل نافذتي ونافذة الكتابة وأضطجع على فراشي منتشيا باللحظة الهاربة.
 
التعديل الأخير:

محمد فري

المدير العام
طاقم الإدارة
جولة داخل أغوار نفسية السارد الذي يكشف عن هواجسه من خلال حديثه عن الآخر.. لعلها محاولة للاختفاء وعدم قدرة منه على التصريح والاعتراف المباشر ..لذا يسود الحديث بضمير الغائب، ولا يحضر ضمير المتكلم إلا من خلال تحدث السارد عن إطلالته من النافذة، وهو يحمل فنجان قهوه..
النافذة هنا إطلالة على واقع معين، وأفترض أنه واقع يرهب السارد ويفزعه، بل ربما يخشى الانغماس فيه ومواجهته، فيلجأ إلى ضمير الغائب متحدثا عن اغتراب الآخر في هذا الواقع، وحاجته إلى من يمسك بيده لمساعدته على الغوص في غماره، موضحا أن هذا المساعد قد غاب عنه أو تخلى عنه وتركه وحيدا كالمحارب الأعزل من كل سلاح..
صياغة نصية موفقة، اعتمدت استغلال ضميري الغائب والمتكلم، ومزجت بين الرؤية من الخارج ومن الداخل، لتحقق الرهان المشار إليه أعلاه..
والتحية للسي عبدالرحيم.
( فيسري دفئها )
 
جولة داخل أغوار نفسية السارد الذي يكشف عن هواجسه من خلال حديثه عن الآخر.. لعلها محاولة للاختفاء وعدم قدرة منه على التصريح والاعتراف المباشر ..لذا يسود الحديث بضمير الغائب، ولا يحضر ضمير المتكلم إلا من خلال تحدث السارد عن إطلالته من النافذة، وهو يحمل فنجان قهوه..
النافذة هنا إطلالة على واقع معين، وأفترض أنه واقع يرهب السارد ويفزعه، بل ربما يخشى الانغماس فيه ومواجهته، فيلجأ إلى ضمير الغائب متحدثا عن اغتراب الآخر في هذا الواقع، وحاجته إلى من يمسك بيده لمساعدته على الغوص في غماره، موضحا أن هذا المساعد قد غاب عنه أو تخلى عنه وتركه وحيدا كالمحارب الأعزل من كل سلاح..
صياغة نصية موفقة، اعتمدت استغلال ضميري الغائب والمتكلم، ومزجت بين الرؤية من الخارج ومن الداخل، لتحقق الرهان المشار إليه أعلاه..
والتحية للسي عبدالرحيم.
( فيسري دفئها )
مرحبا بك أخي سيدي محمد:
سعدت بقراءتك النقدية العميقة، وباستحسانك المشجع.
شكرا لك.
سأحاول التصويب.
ولك مودتي.
 

لوحة مختارة

 لوحة مقترحة
أعلى